عرف الرمز (إكس ولد إكرك)
عرف الرمز (إكس ولد إكرك) -والمسمى أحيانا بسيدي محمد – كأحد أهم الشخصيات الافتراضية على صفحة الفيس بوك .
وسواء كان ذلك الرمز علما على شخص فرد بعينه، أم كان يطلق على جماعة متعددة الأعيان ، فلا تأثير في ذلك ينقص من إمتاع وإفادة ما يدبجه ذلك القلم الصادر عن موهبة أدبية لافتة , واطلاع قل نظيره على شذرات تاريخية وأدبية واجتماعية تجعل القارئ مشدوها لاهثا خلف خطوات الكاتب ، وهو يتابع فقرات النص بالفاصلة والنقطة.
لقد تناول إكس هذا مواضيع طريفة ، وترجم لشخصيات مثيرة ، وكشف بقلمه المرهف حجبا ، وازاح ظلالا عن جوانب كثيرة من تراث وتاريخ هذه البلاد التي يسميها هو (المنتبذ القصي ).
وفي رصيد صفحة( إكس ولد اكرك) كثير من نوادر التاريخ ، وروائع الأدب ، وشيق الحكايات ، مما قبل تاريخ الدولة الحديثة في زمن السيبة ، وأيام الإمارات المغفرية والصنهاجية ، ثم في أيام دخول البلاد في إيالة الاستعمار الفرنسي ، وإرهاصات الوعي الوطني إلى زمن قيام الدولة الوطنية ، وجيل التأسيس ، ثم ما تلا ذلك من تعاقب الأحكام من مدنية إلى عسكرية ، وما جاء به نظام هياكل تهذيب الجماهير وتنظيمها الأمني ،ثم رجوع حكم البلاد أخيرا إلى الثوب المدني التعددي في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين .
وهناك مواضيع تظهر فيها براعة واطلاع الكاتب أكثر بكثير عند المقارنة مع غيرها .
فمثلا حين يكتب إكس عن مدينة لكصر القديمة ،عن شوارعها وحاراتها وأسواقها، وعن مسجد الإمام بداه وجماعته ، وعن أشهر مجانين المدينة والمأثور من شطحات (جذبهم)، وعن سينما لجواد والصحراء ، ومحطة النقل العمومية قبالة المطار القديم ، وعن محل امبارك الشلحي المشهور حيث يحضر الشواء الحنيذ، وعندما يمر على ذكر حانات لكصر ، ومصارع السكارى على نواصي الشوارع من حولها .
فحين يكتب إكس في هذه المواضع تلاحظ أنه يكتب عن شيء يعرفه حق المعرفة مثلما يعرف راحة يده ، وبنان أصابعه، والحديث فيه أثير عنده وذو شجون ، ويرتبط بذكريات الطفولة والشباب .
ومثل ذلك عندما يكتب عن شخصية من( أهل إكيدي) عالما كان أو سياسيا أو شاعرا ، فهو يكتب عن شخصية يعرفها جيدا ، يرجع في معلوماته عنها إلى حافظة حافلة تروي الكليات والجزئيات ، وتحيط بالجلائل والدقائق مما يتعلق بحياة تلك الشخصية.
يضع أمام القارئ مائدة بكل الألوان ، تحوي المنظوم والمنثور ، والجد والهزل ، والفوائد والنكات والطرائف ، مستخدما الاستطراد والتداعي الحر ، راكبا صهوة العبارة المكررة في نصوصه : (والشيء بالشيء يذكر) ليستوفي كل ما له علاقة بحياة المترجم له .
وفي أحيان كثيرة يجد الكاتب (مجال القول ذا سعة ) فيحسن القول ، ويطلق العنان لقلمه في مناقب صاحب الترجمة ، فيأتي بكل غريبة (وفي عنق الحسناء يستحسن العقد)
وربما -في بعض الأحيان – تكون هذه الشخصية شخصية محلية ، لا يمتد ذكرها وراء طنب البيت الذي تعيش فيه ،أو إلى طرف الحي أو الأحياء المجاورة في أحسن الأحوال.
ولكن ريشة الفنان الكاتب تبعث دبيب الحياة في العظم الرميم ، وتعيد الماء في العود اليبيس.
وفي المقابل ، وعلى حدود منطقة إكيدي بأقل من رمية حجر ، يظهر أحيانا ضمور وضحالة المعلومات عند إكس عن شخصيات سائرة الذكر ، قد أنجد ذكرها وأتهم، وحمل عنها العلم في جهات الدنيا الأربع ، وسار شعرها كل مسير حتى (ورد المياه به التجار)، وألفت عنها الكتب ، وألقيت المحاضرات في تناول حياتها ومساهماتها على المستوى المحلي والعالمي .
فتلاحظ بوضوح أن الكاتب حين يكتب عن بعض هذه الشخصيات يكون خالي الوفاض ، ليس في جعبته ما يستحق عناء الكتابة ، فلا تجد عنده بعض ماتعهده من الترسل بإقبال كامل على الموضوع بنشاط وحماس وإحاطة وموسوعية .
بل تحس كسلا وفتورا ، وتفويتا لفرصة مواتية لتقديم هذه الشخصية للقارئ بما يستحقه الإثنان ، صاحب الترجمة لحق فضله ومكانته ، والقارئ لحقه كطالب علم وفائدة .
ونضرب المثل لذلك بما كتبه عن العالم الرحالة المجاهد محمد الامين بن فال الخير ، حيث لم يزد على تقديم فقرات من مذكراته مسبوقة بعبارة ( لكلام من فم ملاه أحلى) .
وولد فال الخير غني عن التعريف ، فهو شخصية علمية عالمية من أبرز رواد الإصلاح والنضال والتعليم في منطقة الخليج والعراق في العصر الحديث ، ومن أكبر المساهمين في نهضة المنطقة وحفظ هويتها العربية والإسلامية ، ومازالت المدارس التي تحمل اسمه تواصل عطاءها إلى اليوم ، وهو رمز من رموز النضال العسكري والثقافي ضد الاستعمار الإنكليزي في الخليج ، والإيطالي في ليبيا (طرابلس الغرب) ، ولن تعوز الكاتب معلومات عن تفاصيل حياته المبثوثة في الكتب لو أرادها.
والمثال الثاني فيما كتبه عن الشاعر والعالم محمد ولد آبوه ولقائه بالرئيس المختار ولد داداه في أسطورة وخرافة من حكايات ألف ليلة وليلة، تظهر صاحب الترجمة كبدوي ساذج لا يعي من أمر المدنية والسياسة شيئا ، وينشد الرئيس قصيدة في مدح الوزير المغربي علال الفاسي المشهور بمعارضته لاستقلال دولة موريتانيا، وهو الرجل المثقف العالم والشاعر العائد من التدريس في جامعات المملكة المغربية ،وقد سجنه الفرنسييون في المغرب جراء مواقفه ضدهم .
ودعك من ذكر مثال غير هذين العلمين ،ففي التمثيل بهما كفاية.
وفي الآونة الأخيرة امتد اهتمام السيد إكس ليكتب عن المناقضات الشعرية .
فكتب عن (العاكرات ) أو (الربابيات ) كما يسميهما البعض ، بين الشيخين محمد عبد الله ولد أحمذيه ، ومحمدو حامد ولد آلا الحسنيين .
ثم كتب عن نقائض أحمدو ولد عبد الله (الذيب) الحسني ، وممو ولد عبد الحميد الجكني .
وآخر ما كتبه في الموضوع مناقضة الشاعر بكن مع بعض الشعراء الحسنيين .
فأنت تلاحظ أن إكس هذا جعل الحسنيين في المناقضات طرفا ثابتا رغم وجود مناقضات كثيرة ليسوا طرفا فيها ، وليست غائبة عن علمه قطعا لوجودها في حيز اهتمامه الأول (منطقة إكيدي) .
فبين يديه مناقضات الشيخين امحمد ولد أحمد يورا ، وأبي مدين ولد اسليمان ، ومناقضة الشاعرين بكن ، وبابه ولد محمودا ، وغير هذا مما يمكنه من التنويع ، والأخذ بيد القارئ في حدائق النقائض في مختلف المجموعات ، ليجني له من كل بستان ثمرة ، وليس الدوران به في دائرة لم يعرف عنه الاهتمام بتراثها بهذه الدرجة إلا أن يكون في مواضيع هجائية .
ولكنه (إذا عرف السبب زال العجب) كما يقال ، فوراء أكمة إكس هذا ما وراءها ، فهو يخلع ثوب الحياد جانبا ، ويضع نفسه دائما في خدمة الطرف الآخر في مقابل الطرف الحسني .
فتراه يروي على لسان ذلك الطرف رأيه ، وكيف تصرف في مواجهة خصمه ، وتقديره للموقف في تلك المعركة ، ويغيب الرأي المقابل تماما فلا تسمع له ركزا ، فهو ينقل قصة ممو ولد عبد الحميد وزياته لشيخه يحظيه ولد عبد الودود ، وكيف ضمن له الصمود في مواجهة خصمه ، ثم زيارتهما معا للمرابط ولد متالي لنفس الغرض.
فالقارئ يعرف الآن بفضل إيراد القصة أن هذين الشيخين قد صار موقفهما وعنايتهما في كفة ممو .
وفي قصة بكن سار على نفس الطريق ، فوجهة نظر الشاعر بكن في نقد الشعر الذي يصله مسموعة ، وروايته حاضرة في تقييمه لمستويات خصومه ،هذا في غياب تام للرأي الآخر .
ثم يفرد له قصيدة هجائية مقذعة بالفاظها ومعانيها غير مصحوبة بجوابها في تدوينة خاصة .
ولا شك أن في جعبة الطرف الحسني مجموعة من الحكايات فيها تفسير لموقف ، أو نقد لنص شعري ، أو رواية لحادثة لها تأثير في مجريات الأحداث وأسبابها ومئالاتها.
فمن يكتب عن النقائض – وحتى إذا كان يرويها في مجلس – أشبه بمن يسير في حقل ألغام ، لا يعصمه من مخاطره إلا التوازن التام ، والاجتهاد في وضع الخطوات مواضعها، بإيراد الروايتين بصدق وتجرد ، ويكون بين الخصمين مثل القاضي العادل ، يسوي بينهما في المجلس ، والإقبال بالوجه ،والاستماع بالأذن ، والنظر بالعين .
لقد فات الأوان لترجيح الكفة لهذا الطرف أو ذاك في تلك المناقضات التي هي بالأساس تعبير عن ترف أدبي ، وفائض معرفي ، وهي أحد أشكال التواصل بين المجموعات أو المجموعة الواحدة ، وبقيت نصوصها شاهدة لأصحابها أو عليهم ، وقد (كفي المومنون القتال) في شأنها ، فلن يسرع بشاعر من شعرائها تعاطفنا معه ، ولن يبطئ به تحاملنا عليه ، فهي اليوم تراث ينبغي الحفاظ عليه ، ولكن مع فهم سياقاته التاريخية ، وليس العمل على جعله جرحا مفتوحا (نطأ عليه ) بين الفينة والأخرى (فيحس المجروح) بالألم يعاوده بعد اندمال الجروح بالتقادم ، ولتنفتح – ربما- جروح جديدة نحن في غنى عنها .
ثم أعود وؤأكد أننا نحتفظ للمدون إكس ولد اكرك بما وفق فيه من مواضيع اتبع فيها طريق الصواب ، ولا نبخسه حقه فيما قدمه من خدمات جليلة للثقافة العربية بصفة عامة والتراث الوطني بصفة خاصة ، و(لن ينسنا الآخر الأولا) .
وقد قيل قدما (كفى المرء نبلا أن تعد معائبه)